0:00
حتى الآن تعرفنا على الكيفية التي يؤثر بها الأشخاص الآخرون على أداء شخص ما في
مهام سهلة أو صعبة أو على الأحكام التي يصدرها.
هل يمكن لحضور الآخرين أن يؤدي إلى تغيير سلوكنا؟
هل تختلف تصرفاتنا عندما نكون وحدنا عن تصرفاتنا بحضور الآخرين؟
لقد تبين أن الأمر كذلك، وسنقوم بتوضيح الأمر عن طريقة ظاهرتين تمت دراستهما كثيرًا.
الأولى هي تأثير وجود أشخاص آخرين على تقديم مساعدة للآخرين في وقت الضيق.
والثانية هي إن كان بمقدور الآخرين حملي على الامتثال لأوامر من شأنها إلحاق الأذى بالآخرين.
لنبدأ بتقديم المساعدة.
متى تكون فرصة حصولنا على المساعدة أكبر، عندما يكون حولنا القليل من الأشخاص أم الكثير من الأشخاص؟
مثلاً، إن كنتم تسبحون في البحر وأخذتم فجأة بالغرق، لا سمح الله، فما الذي تفضلونه: أن
يكون من حولكم عدد كبير من السباحين أم شخص واحد؟
تم تناول هذا السؤال بالبحث للمرة الأولى في الستينات، وذلك في أعقاب جريمة قتل وقعت في الولايات المتحدة.
السنة: 1964، المدينة: نيويورك.
كانت فتاة باسم كيتي جينوفيز في طريقها إلى البيت عائدة من عملها في الثالثة صباحًا.
وفي الشارع المجاور لشقتها تم الهجوم عليها لمدة نصف ساعة من قبل شخص طعنها
واغتصبها، وعلى الرغم من أنها صاحت طالبة العون فلم يتقدم أحد لمساعدتها.
وفي النهاية ماتت كيتي جينوفيز.
وبعد أيام من وقوع الجريمة، تم نشر مقالة في جريدة النيويورك تايمز حول الحادثة.
وقد ذكرت المقالة أن 38 شخصًا شاهدوا ما حدث من خلال نوافذ بيوتهم ولم يتقدم أي منهم لمساعدتها.
وفي النهاية اتصل أحد الجيران للشرطة.
ولكن الأوان كان قد فات.
تسبب نشر المقالة في صدمة في أوساط الناس،
وأدى ببعض علماء النفس الاجتماعيين لمحاولة الإجابة عن السؤال حول عدم تقدم أحد لمساعدتها.
كيف لم يقدم ولو شخص واحد من عشرات الأشخاص يد العون؟
ولم لم يتصل أحد الجيران بالشرطة إلا بعد مرور كل هذا الوقت؟
ما الذي يحدث هنا؟
هل الأمر ناجم عن عدم الاكتراث وعدم المبالاة بالآخرين؟
ليس من المؤكد أن هذه هي الإجابة الصحيحة.
لتوضيح الظاهرة
افترض علماء النفس الاجتماعي أن الأمر ناجم عن تأثير حضور أشخاص آخرين على تقديم المساعدة.
وقد تم توضيح الأمر في سلسلة من التجارب الكلاسيكية التي سميت ب-Bystander Effect،
أي تأثير المتفرج.
قام بإجراء الدراسة الأولى لاتني ودارلي من جامعة كولومبيا وجامعة نيويورك.
قام الباحثان بدعوة أشخاص للتجربة، وأدخلا كلاً منهم إلى غرفة منفصلة.
وقد أعطيت لهم تعليمات بأنه سيتعين عليهم الحديث مع بعضهم البعض من خلال الإنترفون.
أحد المشاركين كان متعاونًا مع الباحثين.
في مرحلة ما من التجربة سمعه الآخرون يصرخ قائلاً إنه في ضائقة.
هل سيخرج الخاضع للتجربة من غرفته لمساعدته؟
عندما كان الخاضع للتجربة على علم بأنه المشارك الوحيد في التجربة
بالإضافة إلى المشارك الذي يعاني من ضائقة قام معظم الخاضعين للتجربة بمساعدته، أكثر من
80% خرجوا من غرفهم وتطلب الأمر أقل من دقيقة للخروج من الغرفة وللوصول إلى الشخص الذي ظنوا أنه بحاجة لمساعدة.
كلما زاد عدد المشاركين في التجربة كان احتمال قيام الخاضع للتجربة بالمساعدة أقل،
كما استغرق الأمر مدة أطول لخروج المشاركين من غرفهم.
أي أن حضور أشخاص آخرين يقلل من احتمالات قيامنا بتقديم المساعدة.
قبل توضيح السبب، دعونا نستعرض مثالاً آخر.
مثال الدخان.
في هذا المثال يجلس الخاضع للتجربة في غرفة إما وحده وإما مع أشخاص آخرين،
هم في الواقع متعاونون مع الباحثين، ويقوم بملء استبيان.
يقوم كل منهم بهدوء بتعبئة استبيان وحده.
ثم يبدأ الدخان بالدخول من تحت الباب.
لا يقوم أي من المتعاونين بفعل شيء.
كم سيستغرق الأمر إلى أن يستدعي المشارك أحدهم ويبلغ عن الدخان؟
كم من الوقت سيحتاج إن كان يجلس وحده في الغرفة من لحظة رؤية الدخان؟
تظهر النتائج هنا أيضًا أنه كلما زاد عدد الأشخاص في الغرفة
كان احتمال أن يخرج شخص من الغرفة ليفحص مصدر الخطر أقل.
نرى في الرسم البياني أنه عند وجود الشخص وحده
فإن أكثر من 50% منهم يخرجون من الغرفة بعد دقيقتين لطلب المساعدة.
وبعد ست دقائق يخرج أكثر من 70% من الغرفة طلبًا للمساعدة.
أما إن كانوا يجلسون مع شخصين أو ثلاثة،
فإن 10% فقط من الأشخاص سيخرجون بعد دقيقتين و 40% بعد ست دقائق.
أما إن كانوا يجلسون مع عدد كبير من الأشخاص
فلن يخرج أحد من الغرفة خلال ست دقائق من بدء دخول الدخان.
في موقع الكورس هناك رابط للتجربة.
لماذا يحدث هذا إذن؟
لماذا يقلل حضور الأشخاص الآخرين من تقديمنا المساعدة في حالة الطوارئ؟
لقد تم اقتراح عدد من التفسيرات لهذه النتائج.
التفسير الأول هو أنه عندما نرى أن الناس من حولنا لا يقومون بتقديم المساعدة، فإننا نفترض أنهم
يعرفون شيئًا لا نعرفه، وإن كانوا لا يقومون بتقديم المساعدة فهذا يعني أن الوضع على ما يبدو ليس خطيرًا.
أي على الرغم من أنهم يتصرفون مثلنا، فنحن نفترض أن لديهم معلومات مختلفة عن المعلومات التي لدينا.
تسمى هذه الظاهرة Pluralistic Ignorance.
هناك عامل مؤثر آخر يسمى انتشار المسؤولية، Diffusion of Responsibility.
عندما يكون هناك أناس من حولك فإنك تتوقع منهم تحمل المسؤولية بدلاً من تحملها أنت.
وأخيرًا فإننا نخشى ردة فعل من حولنا في حال قيامنا بتقديم مساعدة
قد لا تجدي نفعًا.
وهكذا فعن طريق الامتناع عن تقديم المساعدة فإننا نتجنب وضعًا قد نضع فيه أنفسنا موضع
الإحراج أمام الآخرين.
تسمى هذه الظاهرة النفسية Audience Inhibition.
من شأن هذه الأسباب التنبؤ بالحالات التي يكون فيها احتمال تقديم الأشخاص للمساعدة منخفضًا.
أما فيما يتعلق بال-Pluralistic Ignorance، فكلما كانت حالة الطوارئ أكثر إبهامًا
زاد اعتمادي على سلوك الأشخاص الآخرين في تفسير الموقف.
مثلاً، إن سمعت صراخًا ولكنني لم أعرف السبب، فربما كان زوجان يتجادلان
أو ربما كان الأطفال يصرخون أثناء اللعب.
في جريمة قتل كيتي جينوفيز، على سبيل المثال،
ادعى بعض الجيران أنهم لم يفسروا الصراخ تفسيرًا صحيحًا عندما سمعوا الاستغاثة،
وأنهم ظنوا أن عدم تقديم أحد للمساعدة يدل ربما على عدم خطورة الوضع.
هناك أمر آخر يؤثر على احتمال تقديمي للمساعدة
وله علاقة بال-Diffusion of Responsibility وهو اختصاص الأشخاص الذين من حولي.
مثلاً، إن كنت البالغ الوحيد في مجموعة من الأطفال فإن احتمال تقديمي المساعدة يكون أكبر.
ولكن إن كان من حولي من المسعفين،
فسأعتمد عليهم بطبيعة الحال وسيقومون هم بتقديم المساعدة.
ولكن النتيجة الأهم التي تم التوصل إليها هي أن الأشخاص الذين سمعوا عن أبحاث اجتماعية نفسية كتلك التي
ذكرناها وتعرفوا على الظاهرة، كما تعرفتم عليها أنتم، يكونون أكثر مبادرة لتقديم المساعدة حتى عند حضور الآخرين.
أي أنه في المرة القادمة التي تشاهدون فيها شخصًا بحاجة لمساعدة ويكون ذلك بحضور أشخاص آخرين،
سيكون احتمال تقديمكم المساعدة أكبر لأنكم على علم بالظاهرة وبأسبابها غير المبررة
التي تحول دون قيامنا بتقديم المساعدة
بحضور الآخرين.