0:00
حتى الآن تحدثت غليت عن الصور النمطية،
وعلى الرغم من أنها لم تذكر ذلك صراحة فإن المقصود هو الصور النمطية السلبية.
كما في المثال الذي استعرضته حول الصور النمطية القائلة بأن النساء أقل كفاءة من الرجال
ولذا فإنهن أقل ملاءمة لوظائف البحث العلمي،
أو الصورة النمطية القائلة بأن السود أكثر عنفًا من البيض، ولذا فإن احتمال حملهم للسلاح أكبر.
وبالفعل فقد ركزت دراسات الصور النمطية حتى قبل حوالي عشرين عامًا على الصور النمطية
السلبية كما أن تعريف مصطلحات من قبيل "التمييز على أساس الجنس" أو "العنصرية"
قد ركز على المعاملة السيئة للنساء أو لمجموعات عرقية وإثنية مختلفة.
إحدى الدراسات التي أدت إلى تغيير وجهة النظر هذه هي دراسة قام بها الباحثان بيتر غليك وسوزان فيسك.
وقد ادعيا أن التمييز ضد النساء يعكس في الواقع نظرة تبدو إيجابية للنساء،
فهي تعتبر النساء أكثر لطفًا، وطهارة، وأخلاقية، وطيبة، وعطفًا، وأمومة
وأن الرجل الذي يجد امرأة جيدة عليه أن يرفع من مقامها، أي أن يكرمها ويقدرها.
على الرغم من أن هذه الصفات النمطية إيجابية جدًا في واقع الأمر،
فهي تصور النساء على أنهن يصلحن أكثر للبيوت
حيث يتعين عليهن العناية بالأطفال أو بالوالدين المسنين، وليس للنطاق العام
الذي يتطلب الكدح والقيام بأعمال لا تكون مريحة دائمًا.
وبالفعل، وعلى الرغم من هذه الإيجابية الظاهرية، فقد تبين أن الأشخاص الذين يتبنون صورًا نمطية
إيجابية حول النساء، كالاعتقاد، مثلاً، بأن النساء أكثر أخلاقية من الرجال،
يتبنون القليل من قيم المساواة والعدالة الاجتماعية كما ويعتقدون أن النساء يتحملن المسؤولية
عن معظم الأعمال المنزلية، وأنه لا ينبغي أن يأخذن زمام المبادرة في المغازلة وغيره.
في وقت لاحق قامت سوزان فيسك وبيتر غليك وباحثة أخرى هي إيمي
كادي بتوسيع الفكرة لتشمل مجال العلاقات بين المجموعات بشكل
عام مقترحين نموذج محتوى الصور النمطية، Stereotype Content Model بالإنجليزية.
حسب هذا النموذج فإن هناك بعدين رئيسيين ندرك من خلالهما الأهداف الاجتماعية
Social Targets، بصفة مجموعات.
أحد البعدين، ويسمونه بعد الكفاءة،
فيعبر عن صفات من قبل المكانة، والقوة، والقدرة، والطموح والسيطرة وغيرها.
أما البعد الثاني، ويسمونه البعد الاجتماعي الأخلاقي،
فيعبر عن صفات من قبيل الدفء الإنساني، والاستقامة، والمصداقية واللطف وغيرها.
بشكل عام ينظر الأشخاص إلى المجموعة التي ينتمون إليها على أنها تتمتع بدرجة عالية من البعدين،
ولذا فهم فخورون بالانتماء إليها.
مثلاً، بصفتي عالمة نفس اجتماعي أنا أعتقد أو أنظر إلى علماء النفس الاجتماعيين
على أنهم لطيفون وأذكياء في آنٍ واحد.
ومن ناحية أخرى فإن هناك مجموعات يتم النظر إليها على أنها تفتقر للبعدين،
فالمدمنون على المخدرات مثلاً يتم النظر إليهم على أنهم يفتقرون للبعدين، ولكن
حسب نموذج محتوى الصور النمطية، فإن الصور النمطية لا تكون في العادة إما إيجابية
فقط أو سلبية فقط، وإنما تكون تكميلية،
أي أنه يتم النظر في كثير من الأحيان إلى المجموعات على أنها تتمتع بأحد البعدين وتفتقر للآخر،
ولذا فإن معظم الصور النمطية عن المجموعات هي في الواقع متناقضة وجدانيًا، أي أنها
تنطوي على مكونات إيجابية من ناحية ومكونات سلبية من ناحية أخرى.
من الأمثلة على الصور النمطية المتناقضة ما يسمى ب-Envious Stereotypes،
أي الصور النمطية الحسودة، والتي تصف مجموعة ما على أنها تحتل مكانة أعلى ببعد الكفاءة،
ولكنها تفتقر إلى البعد الاجتماعي الأخلاقي.
وتقع الصور النمطية المعادية للسامية في العادة في هذه الفئة،
لأنها تصف اليهود على أنهم موهوبون وأقوياء جدًا، ولكن لا يمكن الثقة بهم،
ولذا فإن قدراتهم وقوتهم العالية تجعلهم في الواقع أكثر خطورة.
أما النوع الثاني من الصور النمطية المتناقضة فهو الصور النمطية الأبوية التي تعكس
نظرة إلى مجموعة ما على أنها أعلى في البعد الاجتماعي الأخلاقي، أي بعد الدفء الإنساني، ولكنها تفتقر إلى بعد الكفاءة.
الصور النمطية للمسنين تكون في الكثير من الأحيان صورًا نمطية أبوية،
أي أنها تعكس الاعتقاد بأن المسنين لطيفون وطيبون،
ولكنهم غير مستقلين وغير قادرين على تقديم إسهام للمجتمع أو تعلم أمور جديدة وغيرها.
كما أن الصور النمطية الشائعة عن اليهود الشرقيين والغربيين في إسرائيل
والقائلة بأن الغربيين مثقفون وأذكياء ولكنهم يتميزون بالبرودة والتكبر، بينما يتميز الشرقيون
بالدفء والطيبة ولكنهم أقل ثقافة وذكاء، هي أيضًا صور نمطية تعكس حسب
نموذج مضمون الصور النمطية، الحسد والأبوية على الترتيب.
تتجلى هذه الصور النمطية في أفلام البوريكس المنتجة في السبعينات أو في مسلسلات تلفزيونية
أكثر حداثة مثل مسلسل "عصفور"، والتي تصور الشخصيات الشرقية والغربية بشكل نمطي.
حسب نموذج محتوى الصور النمطية فإن هذه الصور النمطية مشتقة من العلاقات الطبقية بين المجموعات،
فكلما كانت المجموعة تحتل مكانة أعلى فإنه ينظر إليها على أنها تتمتع أكثر ببعد الكفاءة
أما المجموعات ذات المكانة المنخفضة فيتم النظر إليها على أنها تفتقر إلى بعد الكفاءة،
ولكنها، كنوع من التعويض، تتمتع بقدر أعلى من الدفء.
لقد تحدثنا حتى الآن عن الطريقة التي ينظر بها الأشخاص إلى الأهداف الاجتماعية كمجموعات،
والآن سأنتقل للحديث عن الجانب الآخر للعملة، أي الأهداف،
ال-Targets المستهدفين بهذه الصور النمطية. أي أنني سأتحدث عن كيفية تأثر الأشخاص
بالصورة النمطية الشائعة عن المجموعة التي ينتمون إليها.
في هذا المجال أيضًا حدث تقدم نظري كبير قبل حوالي 20 عامًا بفضل الدراسة
الرائدة التي أجراها كلود ستيل وزملاؤه حول موضوع تهديد الصورة النمطية، Stereotype Threat.
يعبر مصطلح "تهديد الصورة النمطية" عن وضع يخشى فيه الشخص الذي ينتمي لمجموعة موصومة بصورة نمطية ما
من الإتيان بسلوك أو أداء من شأنه تأكيد هذه الوصمة.
ومن المفارقات أن هذا الخوف يلحق الضرر بالموارد المعرفية اللازمة للقيام
بأداء على أفضل نحو، وهكذا فإن الصورة النمطية تتحول إلى نبوءة تحقق ذاتها.
على سبيل المثال، بسبب الصورة النمطية القائلة بأن الرجال أفضل من النساء في الرياضيات وفي العلوم الدقيقة،
فإن الطالبة التي تؤدي امتحان الفيزياء في المرحلة الثانوية قد تخشى من أن تؤدي نتيجتها في الامتحان لتأكيد هذه الصورة،
ويتحول هذا الخوف إلى ضغط يؤثر في نهاية الأمر على
أدائها في الامتحان، وهكذا فإن مخاوفها قد تحققت.
كيف لنا أن نعرف إن كانت النتيجة المتدنية ناتجة عن تهديد الصورة
النمطية وليس عن قدرة متدنية؟
لأن الكثير من التجارب كشفت عن أنه وعند القيام بإزالة صريحة
للتهديد فإن أداء النساء يتحسن، مثلاً:
يحتوي الرسم البياني على نتائج تشير إلى أنه بمجرد أن يُذكر في تعليمات الامتحان
بشكل صريح أن الرجال والنساء ينجحون في أدائه بالدرجة ذاتها،
أي عندما يقال بشكل صريح أن لا فروق بين أداء الجنسين للامتحان،
لا يكون هناك فرق كبير بين أداء الرجال والنساء.
أما عندما يقال إن هناك فروقًا بين الجنسين أو حتى عند عدم ذكر
شيء وترك الصورة النمطية كالتهديد المسلط على الرقاب، وهو التعبير الذي يستخدمه كلود ستيل
A Threat in the Air، فنرى أن أداء النساء قد تدنى وأن أداء الرجال قد بقي على حاله
دون تغير أو حتى تحسن بعض الشيء، وهي الظاهرة المسماة Stereotype Lift.
وقد تكررت هذه الظاهرة في عدد من التجارب، فقد تبين على سبيل المثال أن المشاركين
السود، الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية،
والبيض الذين أدوا اختبار ذكاء دون تعليمات محددة، كان أداء السود أسوأ من أداء البيض
وهو ما يتفق مع الصورة النمطية القائلة إن السود أقل ذكاء من البيض.
ولكن عندما احتوت تعليمات الامتحان على مقولة
غير صحيحة مفادها أن الامتحان لا يختبر الذكاء وإنما شيئًا آخر، أي أن الامتحان لا يقوم
بتشخيص مستوى الذكاء فقد اختفت الفجوة بين المجموعتين العرقيتين.
هناك دراسة أخرى مثيرة للاهتمام تم فيها تهيئة مشاركات أمريكيات من أصل
آسيوي للتفكير في هويتهن الجنسية أو في هويتهن الإثنية وذلك عن طريق
تعبئتهن قبل امتحان في الرياضيات استبيانًا قصيرًا يتناول في ظاهره الحياة الطلابية.
في بعض الحالات سئلت المشاركات أسئلة تتعلق بهويتهن الجنسية، إذ سئلن مثلاً عن
إن كان الطابق الذي يقمن فيه في السكن تقيم فيه طالبات فقط أو إن كان يقيم فيه أيضًا طلاب ذكور وعما يفضلنه،
وفي حالات أخرى تم طرح أسئلة تتعلق بهويتهن الإثنية، كالسؤال عن اللغة التي
يتحدثنها في البيت، وعن مدة إقامة عائلاتهن في الولايات المتحدة وما إلى ذلك.
وقد كان الهدف من عملية التهيئة هذه تعزيز الشعور بالاختلاف الجنسي لدى المشاركات، أي
تذكيرهن بأنهن نساء، أو الاختلاف في هويتهن الآسيوية،
ومن الجدير بالذكر أن هذه المجموعة ينظر إليها في الولايات المتحدة على أنها تتميز بأداء عالٍ في الرياضيات.
وقد تبين أن أداء المشاركات قد تضرر في حالة التهيئة
الجنسية، وتحسن في حالة التهيئة الإثنية.
وتكشف هذه الدراسة عن حساسية أداء الأشخاص للسمات الموقفية
التي تسلط الضوء على صور نمطية معينة.
نلخص بالقول إن الدراسات حول موضوع تهديد الصورة النمطية تكشف عن أن
للصور النمطية السلبية قدرة كبيرة على تجذير
وتأصيل عدم المساواة بين المجموعات.
لا تعكس الصور النمطية العلاقات الطبقية القائمة في المجتمع فحسب، وإنما تسهم أيضًا في الإبقاء
عليها عن طريق تأثيرها على أداء أفراد المجموعات الموصومة.